رواية الفولغا الأزرق تأليف فؤاد يازجي .. كانت ناتاشا الكسندروفنا ترقد بجانبه في الفراش، لقد ارتضت لأول مرة أن تصحبه إلى غرفتها منذ تعارفا، شكِسة متمردة لا يقر لها قرار، كثيرة التجارب. تنفجر فجأةً ضاحكة، شقراء كأية روسية، عيناها خضراوان وقامتها ممشوقة، حجرتها جزء من بيت قرميدي تطل نوافذه على نهر الفولغا، فإذا ما وقفتَ على أحد جسور النهر تجد أنه آخر المنازل الممتدة على الضفة، وكان نضال الفلسطيني، شاعري اللفتة ذا وجه حالم وغريب في آن، يداعب شعرها ملقياً نظرات رتيبة من النافذة إلى النهر الغريب المسحور وهو يمضي هادئاً فاتناً لا مبالياً.
وكانت الغرفة مؤلفة من أثاث معظمه قديم، ثمة « حاكي » على منضدة ومن السقف يتدلى قفص يحوي كنارين، وعلى أرضية النافذة أُلقي ألبوم فيه صور غير ملونة وإهداءات مكتوبة بالإنكليزية والروسية والعربية ولغات أخرى، أما في الخارج فقد تمايلت أوراق الشجر برفق وقد غمرتها شمس خريفية تحت سماء زرقاء انعكست على صفحة النهر، وتبدت قوارب خاوية ملقاة على الضفة، وبعض الصبية يظهرون تارة ثم يختفون فيبقى النهر وحيداً يغزو القلب تدفقه تحت تلك الشمس الحزينة.
- هل تذكرين لقاءنا الأول؟ عصر ذلك اليوم نفسه الذي وصلتُ فيه من موسكو للدراسة، وكنت لا أجيد الروسية بعد، كنتِ تسيرين تائهة بين أشجار الضفة، تجرِّين كلباً صغيراً أبيض مفتونة بالنهر وبالبيوت القرميدية الصفراء والزرقاء على ضفته الثانية، وكانت بيدك زهور حمراء وضعتِها عند قدمي تمثال بوشكين المحدق في السماء كأنه ينتظر منها أن تعيده إلى الحياة!
- ولم تقل شيئاً جعلتَ تحدق بي كأنني أحد الملائكة!
- كنتُ لا أزال أخرس كالنهر لا أجيد التحدث إلا مع الريح والموج وحجارة الشاطئ.
- هل أعجبتكَ هذه المدينة أكثر من موسكو.
- كانت موسكو قرية هائلة مليئة بالمطر، لشد ما كان هناك أشجار ورايات حمراء وترامات وملابس زاهية ونساء ضاحكات، قضيتُ في المدينة الباسمة ثلاثة أيام ثم سار بي القطار إلى شاطئ الفولغا، ولكن كم فتنني النهر والجبال والأكمة التي ترقبه من بعيد لم أكن أتوقع حين قرأت عنه أنني سألتقي به ذات يوم، حييته بالعربية.. نظرت إليه نظرة عاشق أحب فتاته قبل أن يراها، ابتسم الفولغا ولم يقل شيئاً، ظل يترقرق مسافراً أبداً إلى نهاية العالم.
نحن نعمل على تصفية المحتوى من أجل
توفير الكتب بشكل أكثر قانونية ودقة لذلك هذا الكتاب غير متوفر حاليا حفاظا على حقوق
المؤلف ودار النشر.