ياسين الغُماري هو روائي وأديب تونسي وُلد في سوسة في 22 فبراير 1995. يُعتبر أحد الأسماء الشبابيّة الهامّة التي واجهت الاضطهاد والقمع في المشهد الأدبي العربي، بجانب عمله الروائي، يكتب الغُماري المقالات السياسية. يحمل عضوية في المؤسّسة التونسيّة لحقوق المؤلّف والحقوق المجاورة التابعة لوزارة الثقافة الت...
ياسين الغُماري هو روائي وأديب تونسي وُلد في سوسة في 22 فبراير 1995. يُعتبر أحد الأسماء الشبابيّة الهامّة التي واجهت الاضطهاد والقمع في المشهد الأدبي العربي، بجانب عمله الروائي، يكتب الغُماري المقالات السياسية. يحمل عضوية في المؤسّسة التونسيّة لحقوق المؤلّف والحقوق المجاورة التابعة لوزارة الثقافة التونسية، يُلقَّب بـ”الأمير الصغير”، في إشارة إلى سيرته الذاتية غير المنشورة اغتيال الأمير الصغير، وهو عنوان يستحضر شخصية “الأمير الصغير” الشهيرة من رواية أنطوان دو سانت-إكزوبيري، ذلك الرمز الخالد للبراءة والفضول والحكمة. من خلال سيرته تلك، يُعبّر ياسين عن انتمائه الوجداني لهذه القيم النبيلة، لكنه يُلبسها ثوبًا من الألم العميق والمعاناة القاسية التي عاشها في وطنه تونس. فقد قوبل بالجحود والشرّ في الوسط الأدبي التونسي، لا سيما أثناء محنته، بل وحتى حين سعى للدفاع عما كابده من قهر وتهميش. ويُعرف كذلك بصوته الجريء في فضح الظلم الاجتماعي والتصدي للاستبداد والأنظمة القمعية في تونس. إلى جانب إبداعه في مجال السرد الروائي، يُعدّ ياسين الغماري شاهدًا أدبيًا على زمن الانكسار، وكاتبًا نذر قلمه للحرية والكرامة
ياسين الغُماري والتكوين الأكاديمي :
حصل الغُماري على بكالوريا في العلوم التجريبية عام 2014، ثم أكمل الإجازة الأساسية في المالية باللغة الفرنسية بين 2016 بجامعة سوسة. استمر في تطوير مسيرته الأكاديمية بحصوله على ماجستير في التحليل المالي باللغة الإنجليزية من 2019 إلى 2021 بجامعة سوسة. وفي 2023، بدأ برنامج سنة ثانية ماجستير بناء مشترك في إدارة المخاطر المالية باللغة الفرنسية بجامعة سوسة وأنهاها في 26 جوان 2024. تركّزت أبحاثه الأكاديمية على الاقتصاد والتنمية المستدامة، وهو ما تجلّى في بحثه الخاص برسالة الماجستير عام 2021 و 2024 وسيرته الروائية زمن التعب المزمن. غادر تونس نهائيًّا في أغسطس 2024 نحو فرنسا والتحق ببرنامج ماجستير الاقتصاد وإدارة الموارد البشرية بجامعة نيس université côte d’azur
ياسين الغُماري والأعمال الأدبية :
للغُماري عدة إصدارات أدبية، حيث استطاع بأسلوبه المميز وأفكاره الجريئة جذب اهتمام النقاد. من أبرز أعماله:
- زمن التعب المزمن: سيرة روائية صدرت بألمانيا. طبعة واحدة
- الساعاتي "صانع الزمن": رواية صدرت ببلغاريا. طبعة واحدة
- خديعة الخديعة: رواية صدرت ببلغاريا. طبعة واحدة
- بنات النفس: رواية نشرتها مؤسسة أبجد للترجمة والنشر والتوزيع بالعراق
- مقتل الأمير الصغير: سيرة ذاتيّة غير منشورة.
ياسين الغُماري والنقد الأدبي :
لأعمال الغُماري صدى واسع بين النقاد العرب، حيث تناولتها أقلام متعددة من دول عربية مختلفة وأشادوا بأسلوبه وفكره. كتب عنه:
- د.عقيل هاشم (العراق)
- كرم الصباغ (مصر)
- طالب عمران المعموري (العراق)
- أحمد العربي (سوريا)
- مؤيّد عليوي (العراق)
- د.طالب هاشم بدن (العراق)
- د.أسامة المهدي (السعودية)
-د.عبد الله العرفج (السعوديّة)
ياسين الغُماري والتكريمات :
تم تكريم ياسين الغُماري من قِبل الاتحاد الدولي للبنوك بمدينة مساكن في تونس عام 2024، تقديرًا لجهوده في مجال العمل المصرفي.
ياسين الغُماري والصراعات الأدبية :
لقد تميزت المسيرة الأدبية لياسين الغماري بصراعات حادة داخل الأوساط الثقافية في تونس. ومن أبرز هذه النزاعات كان خلافه مع الكاتب التونسي كمال الرياحي، الذي زُعم أنه سحب أربعة من أعماله الأدبية من دور النشر بهدف تكليف نقاد لكتابة مراجعات سلبية عن الرواية الأولى لياسين الغماري "الساعاتي: صانع الزمن"، التي لم تُنشر من قبل دار النشر الفلسطينية مكتبة "كل شيء" لصاحبها صالح عباسي. واتهم كمال الرياحي بتدبير مؤامرة أوسع نطاقاً لتعطيل التقدم الأدبي لياسين الغماري.
بالإضافة إلى ذلك، تعرض ياسين الغماري للمضايقات بسبب رواياته التي تعكس دفاعه عن العدالة الاجتماعية والمناخية. وواجه أيضًا ضغوطًا سياسية في تونس، حيث سعت بعض الفصائل، حسبما زُعم، إلى خلق تحديات شخصية ومهنية وعائلية له. فقد حُرم من جميع الامتيازات الأدبية التي كان من الممكن أن يتمتع بها. وقد جعلته أفكاره المستنيرة والليبرالية يبدو كتهديد للبيئة الثقافية التونسية.
قام عدد من الكتّاب التونسيين بإرسال روايات ياسين الغماري غير المنشورة إلى الكليات التي درس بها، بهدف معرفة كيف تمكن من تحقيق هذا الإنتاج الأدبي خلال فترة زمنية قصيرة أثناء دراسته. كما سعى هؤلاء الكتّاب إلى إثارة الجدل حول تناقض مسيرته الأكاديمية في العلوم مع ممارسته للأدب، معتبرين أن هذا يتعارض مع المنطق التونسي الذي يدعو إلى التركيز على مجال واحد وهو مجال الدراسة. بالإضافة إلى ذلك، حاولوا إقناع أساتذته الجامعيين بالتأثير عليه لثنيه عن نشر رواياته، نظراً لمحتواها النقدي الجريء تجاه الواقع التونسي، ولتعارضها مع القيم التقليدية التونسيّة التي تدعو إلى التحفظ.
انفتحت آفاق واسعة للنشر العالمي أمام ياسين الغماري، حيث صيغت أعماله بتقنيات دولية وأسلوب شعري مميز. ومع ذلك، فإن كمال الرياحي عمل على تقويض مسيرة ياسين الغماري الأدبية. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ تم تعمد إبقاء ياسين في الظل فيما يتعلق بفرصة نشر في هولندا ومنحة كان من المفترض أن يتلقاها نظراً لحجم أعماله المميزة التي أنتجها في فترة زمنية قصيرة.
أثارت سيرة ياسين الغماري "زمن التعب المزمن" جدلاً واسعًا، إذ تميزت بجرأتها وعمقها. تعكس الرواية تجربة شخصية عاشها ياسين الغماري، عندما كان يعمل في بنك يملكه رجل الأعمال التونسي مروان المبروك، صهر الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي. من خلال هذه التجربة، حاول ياسين الغماري إدخال مفهوم المسؤوليّة الاجتماعيّة للشركات والتنمية المستدامة في نظام مصرفي كان يمارس شتى أنواع العبودية والغسيل الاجتماعي والغسيل الاجتماعي، غير أن جهوده باءت بالفشل. أقدم كاتب تونسي على إرسال سيرته الروائية غير المنشورة إلى البنك بهدف إحداث مشكلات حول "ياسين الغماري" ونسف إمكانية نشرها، رغم أن ياسين الغماري لم يذكر اسم البنك بشكل مباشر، إلا أن هناك اتهامات تشير إلى أنه تم تسريب اسم البنك من قبل كلية تونسيّة درس فيها. وقد أثار الكتاب حفيظة وحنق البنك، لتكشف صفحاته عن أبعاد معقدة من الواقع الاقتصادي والاجتماعي التونسي الذي يرأسه أبناء الاقتصاد المظلم مثل مروان المبروك، اتهمت أستاذة جامعية البنك بالتواطؤ مع أحد المطاعم في تقديم جبنة كيميائية ساخنة لياسين بعد دفاعه عن رسالته في الماجستير في التحليل المالي عام 2021، مما أدى إلى تآكل مينا أسنانه بشكل كامل. وكان السبب وراء ذلك أن البنك قد رفض بشدة أن يناقش ياسين رسالته التي كانت تكشف عن حقائقهم المخفية. رغم ذلك، تمسك ياسين بموقفه لنيل شهادة الماجستير، ودافع عن رسالته بكل شجاعة، محققًا درجة 15 من 20. لكنهم، بدلاً من الاعتراف بحقه، قرروا معاقبته بطريقة خبيثة.
بسبب أفكاره حول مساعدة الناس، من خلال دعوته إلى العدالة المناخية والاجتماعية والمالية، هدد بعض الكتاب التونسيين، بالإضافة إلى كاتبة وأستاذة جامعية تونسية، بأخذه إلى سوريا لقتله هناك، كما حدث مع بعض الشباب بعد ثورة الياسمين في تونس عام 2011، تماماً كما حدث لطالب في السنة الثالثة بكلية الطب في سوسة، تونس: اختطفه عناصر من أجهزة الدولة التونسية عنوة وبعنف، وسط صرخات والدته اليائسة، ثم جرى ترحيله إلى سوريا. وبعد أسبوعين فقط، وصلها خبر وفاته—دون أن تجد أمامها جهة واحدة يمكن أن تلجأ إليها لتقديم شكوى أو المطالبة بالعدالة.
إنها واحدة من أفظع الانتهاكات التي وقعت بعد الثورة، خاصة في ظل غياب المساءلة والشفافية. وليست مجرد مأساة فردية، بل تمثل وجهاً مظلماً للغاية من المرحلة التي أعقبت الثورة في تونس بعد 2011. شباب يُختطفون على يد جماعات يُشتبه بارتباطها بأجهزة أمنية، يُرحّلون دون علم عائلاتهم أو موافقتها، وغالباً خارج أي إطار قانوني ويقع إلقاء الملامة على الجهاد.
حيث النص التونسي الروائي لياسين الغماري بسيرته الذاتية غير المنشورة مقتل الامير الصغير الذي عاش تجربة مماثلة : "ارسلتْ كاتبة وأستاذة جامعيّة تونسيّة رواياتي إلى جهة سياسيّة مظلمة مع توصية بتحريضهم ضدّي، بدعوى أنّ ميولاتي الأدبيّة تُنافي توجّهاتي الدراسيّة العلميّة، بدعوى أنّ أعمالي تُناشد العدالة الاجتماعيّة والعدالة المُناخيّة والعدالة الماليّة. ثمّ دعت إلى تسفيري إلى سوريا كما كان يحدث ما بعد الثورة مع بعض الشباب الذين أظهروا مستويات عالية من الادراك وقُدرات ومواهب تُنافي تخصّصاتهم الدراسيّة، على نقيض غيرهم، بتسفيرهم وقتلهم فيما بعد وإلقاء الملامة على الجهاد..".
تجري اليوم محاكمات وتحقيقات في هذه القضية، بسبب تورط سياسيين وقضاة وأئمة وجمعيات في هذه الشبكات. إنها مأساة وظلم فادح بحق الشباب، لم تعرف تونس له مثيلاً من قبل. وقد قضت المحكمة التونسية بالحكم على رئيس الحكومة الأسبق «علي العريّض» وعدد من السياسيين الآخرين بالسجن لمدة 34 سنة في ما يعرف بقضية «تسفير الشباب إلى سوريا
تدخلت الناشطة التونسية في منظمة حقوق الإنسان بأبوظبي، سندس بن عمّار، بعد الاعتداءات العنيفة التي تعرض لها ياسين الغماري. وتمكنت من استعادة جواز سفره المسلوب. كما تواصلت سفارة هولندا مع السلطات المعنية بعد إبلاغها من قبل شخصية بارزة بالوضع. وعلى الرغم من هذه الجهود، فقد أخفق المناخ السياسي القمعي في إتاحة أي فرصة للمساعدة.
غُمِرَ ياسين الغماري في حالة من الاكتئاب العميق، مشاهدًا جهود سنوات طويلة تتداعى أمام عينيه. تواصل معه أستاذ جامعي ليخبره بأن الكلية لا تنوي قبول تسجيله في برنامج الدكتوراه مستقبلاً لكونه كاتبًا متخفيًّا. كانت حياته في تونس سلسلة من المآسي المتواصلة. عانى ياسين الغماري من فقدان عميق للرغبة في الحياة والاستمرارية، حيث فقد شغفه وأحلامه، وأقدم على عملية انتحار تناول في خضمها 28 حبة ستيلنوكس بعد أن تلقى تهديدات عديدة بالتصفية. قرّر أن يُنهي حياته بنفسه قبل أن ينهونها له، عثرت والدته عليه خلف باب غرفته، حيث كان يتنفس بصعوبة ويشخر بحثا عن أنفاسه، عينيه تفتحان وتغلقان في حالة من اللاوعي، دون أي استجابة. وعندما وصلوا به إلى المستشفى، كان في حالة مروعة، حيث لم يتمكن الطاقم الطبي من تقديم أدنى مساعدة سوى حقن متكررة بمضادات. ودخل في غيبوبة،ولزم قسم العناية المركزة، مما أدى به الحال بعد أن استيقظ من غيبوبته بمعجزة إلى الانسحاب من جميع أنشطة الحياة لمدة عام كامل.
عندما خرج ياسين من المستشفى، كان في حالة صحية متدهورة، يكاد يترنح في خطواته وكأن جسده على وشك أن يَخونَه بالكامل. استغلّ شقيقه الأكبر محمد علي هذا الضعف الجسدي والنفسي الذي كان يعيشه، وتآمر مع جماعة كانت السبب في تعميق أزمته. بدأ يتسلل إلى عقله بتسميم أفكاره، مغذيًا مشاعره بالاضطراب والقلق، حتى بلغ به الحال إلى أن يكاد يفقد عقله تمامًا. لم يكتف بذلك، بل سعى بكل ما أوتي من قوة إلى دفعه إلى الجنون، بهدف أن يُغلق عليه في مستشفى الأمراض العقلية. وفي محاولة أخرى للسيطرة عليه، حاول حبسه في غرفة مظلمة في حديقة المنزل، إلا أن جاره، استطاع إنقاذه في اللحظة الأخيرة.
ياسين الغُماري والدعم الأدبي :
على الرغم من تلك الضغوط، تلقى ياسين الغماري دعمًا من قلة قليلة في العالم الأدبي العربي، من بينها الكاتبة الجزائرية الشهيرة وسفيرة السلام سابقا في اليونسكو، أحلام مستغانمي، التي دافعت عنه في مواجهة المضايقات والنقد والضغط من عدد كبير من الكتاب التونسيين. سعت أحلام مستغانمي إلى احتضان ياسين أدبيًا وإحضاره إلى بيروت، لبنان. وقد تواصلت مع مجموعة من الكتّاب البارزين بعائلته بشكل غير مباشر، والذين لم يكونوا على دراية بموهبته الأدبية. فقد أخفى ياسين شغفه بالكتابة عنهم، إذ كان الأدب في نظر أسرته مجالًا محصورًا بالفتيات فقط. لذا، صدمت عائلته حين اكتشفت الحقيقة، وعارضت بشدة اختياره، في أن يكون كاتبًا وروائيًّا، محاولين إخفاء الحقائق عنه. ومع ذلك، اكتشف ياسين ما قاموا به، مما تركه غارقًا في مشاعر الخيانة والدهشة. تعكس هذه الصراعات التحديات العميقة داخل الساحة الثقافية التونسية حول حرية الإبداع الشبابي وتأثيراتها السياسية والشخصية على التعبير الأدبي
من خلال نضاله، يجسّد ياسين لغماري معضلة الشباب المبدع في تونس، الذي يجد نفسه ممزقًا بين ثقل التقاليد وتوقه إلى حرية التعبير. مسيرته، المشبعة بالألم والمقاومة، تعكس تعقيد التفاعلات الثقافية والسياسية في العالم العربي المعاصر. إن التزامه الأدبي ليس مجرد خيار، بل هو فعل بقاء، وسلاح في معركة ضد الصمت والنسيان. لقد صنع لنفسه هوية كاتب متمرّد، مستعدّ لمواجهة النظرات المليئة بالازدراء ليمنح صوتًا للأرواح المعذّبة. حكايته هي حكاية طفل مكسور نهض من رماده، وحلم حاولوا وأده
الدكتور والناقد والاعلامي العراقي عقيل هاشم خصص له ثلاثة مقالات نُشرت في عدة صحف مرموقة في لندن والعراق والمغرب ومصر وإيطاليا. وعن ذلك، صرّح قائلاً : "وفي الختام أنّ السيرة الروائيّة زمن التعب المزمن الّتي أمامنا كانت عملاً ناجحاً وأوصلت الرسالة بوضوح، أصابت الهدف بدقّة، عرضت الواقع الحالي، من خلال مشاهد تعرض لها كاتبها /راويها رغم كل المأساة الّتي تعرّض لها لم تصل به لمرحلة اليأس، كانت تحمل في ثناياها الأمل. عبر مجموعة من المشاهد النّقديّة والّتي تصور صلابة التّحدّي للوصول، لكنّه في النّهاية يأبى الخنوع والاذلال. نخلص إلى أنّ الانسان في زمن العالم الجديد "العولمي" إنسان وحيد في العالم. يفصله عن العالم والآخرين بون شاسع، لكنّه يصرّ على الانتماء للكلّ، يصر ّعلى احتضان الإنسانيّة جمعاء، يصرّ على مسؤوليّته الأدبيّة. كاتبنا ينتمي للإنسانيّة, لذا ينشد احترام الاخر وعدم الاعتداء على أحلام الآخرين وآلامهم ،ويظلّ يطالب العالم بالبراءة وبالصّدق وبالدّهشة لنفسه وللعالم ، والكاتب فيه لا يملك سوى كلمته، فنراه يلتصق بالكلمة الحرّة. لذا تظلّ الكلمة هي الأمل الوحيد والحلم الجميل والخلاص المثير تنتشل من الإنسان أجمل وأنبل ما فيه : أشواقه وأحلامه وعطشه للحب والسّلام والعدالة والحقّ، ورفضه للظلم والألم .وكاتبها لا يملك إلّا أن يقف موقف المُنتقد الغاضب ، ويبقى دائمًا المُلاحق المتّهم، من أجل أن يقود مجتمعه نحو حياة جديدة باهرة."
يقول ياسين : أنا لا أعرف السبب فيما حدث لي، وفي كل ما عشته، لا أجد معنى لحياتي بعد الآن، أشعر أنني مكسور، مقهور من الداخل، وخاوٍ تماما، يقولون أنّ هذا يحدث في كلّ جيل من الكُتّاب، وفي كلّ بلد، ولكن لماذا أنا؟ لقد عشتُ حياة ملية بالصعاب والتحديات المؤلمة، كلّ ما أردته أن أرتاح أخيرا، ولكن بسبب كاتب تونسي يعيش برفاهية في كندا أقام حربا بحياتي، دون أن أقابله حتى ولا أن يكون بيننا أي تواصل، أسأل الله كلّ يوم عن الذي حدث لي ولا ألقى جوابًا، أشعر بالضياع، بالوحدة. يلازمني ذلك الإحساس الثقيل بالموت، أنني أريد أن أغادر هذا العالم، الذي يجنح نحو الخراب، أريد أن أتشبث بأي شيئ، أي شيئ يمنحني ولو لحظةً من الإحساس بأنني ما زلت حيًا. كثير التفكير فيما إذا كان أولئك الذين حُرموا من نهاية سعيدة في حياتهم، يولدون مجددا في محاولة منهم لأن ينالوا نهايتهم السعيدة، فقد أُنهكتُ حتى صار لي من الولادات ما يُداني المئة، في محاولة مني لأن أنال نهايتي السعيدة، وكلّ ما أناله هو نهاية حزينة»
يقول أحدّ القرّاء : السيرة الروائيّة زمن التعب المزمن تلخص معاناة شاب يخوض عملا مضني من أجل مواضيع اقتصادية واجتماعية ، للارتقاء والتقدم. انها جميعها مؤسسات تمثل الرأسمالية التي تستأثر بالربح ولا تهتم لقضايا الانسان والفقراء ، فيصاب بالاغتراب عن مجتمعه. السيرة الروائية تمثل ثورة لجيل جديد على جيل قديم وتتمتع بلغة أدبية أعتقد قلّ نظيرها في اللغة العربية ، وسردية تلامس الوجدان والحس الانساني تجعلنا نشعر بالعار أمام هذا التراكم غير حضاري وغير إنساني في تونس
يقول الناقد السوري أحمد العربي بجريدة أوروك التابعة لوزارة الثقافة العراقية: انني تفاعلت مع السيرة الروائية زمن التعب المزمن للروائي ياسين الغماري بكل عمق واحسست بأني جزء من أحداثها. لقد دخلت في أجوائها كما دخلت في عمق نفسي وعقلي. وهذا يعني بالنسبة لي أنها عبرت بمصداقية وبراعة عن حالة انسانية أدخلتني داخلها. وهنا تنجح الرواية او تفشل. على المستوى الخاص في عالم صاحبنا في الرواية، مؤسف ان لا تجد لك من ملايين البشر حولك من يكن صديقا وفيا تبث له لواعج نفسك، وتحدثه عن كوابيسك، وعن أحلامك. من المؤسف أن لا يكون لك حبيبة تضعك في قلبها. وتضعها في وجدانك وضميرك وتبني معها أحلام تتحقق ببناء أسرة تحارب ظلم الحياة وتنتصر لحياة افضل. مؤسف أن لا يوجد نموذج لقوى سياسية تمثل طموحاتك و تنضوي فيها لتحقق في حياتك رسالة وجودك. مؤسف ان لا تجد أن لك اسرة تحتضنك في السراء والضراء وفي مواجهة كل الظروف الحياتية. مؤسف ان تكون انسان في بلاد تجعلك درجة في سلم القهر الاجتماعي ضحية ممن فوقك، و تضطّهد من دونك، في معادلة ذئاب تنهش بعضها كل الوقت. ثم تجد نفسك في بلاد تحكمها انظمة تونسيّة لا تفكر إلا بكيف تبيعك و تبيع وطنك بأبخس الأثمان وتقبض ثمنك لتضعه في فم الشيطان الذي يبتلع العالم. هذا ما شعرته عندنا تابعت سيرة صاحبنا في سيرته الذاتية.
يقول الدكتور العراقي طالب هاشم بدن : اهمية الرواية ومكانتها في المجتمع تكمن في تسليط جزء مهم من هيمنة الرأسمالية على مفاصل الحياة وغياب دور الدولة والانسانية بشكل عام على مجريات احداث البلد وتغييب دور الفقير وصاحب الشرف والشهادة ، الامر الذي خلق عبيدا بطرائق متنوعة. العبودية أخذت منحى آخر وطرائق ملتوية ألا وهي عبودية البشر الذين على هيئة مدير ومسؤول يمتلك ناصية حكم او نفوذ او سلطة وبالتالي صار عدد غير قليل خاضعين بشكل او اخر وبدون ارادة الى أولاءك المتنفذين ما دعا الى ظهور طبقات مجتمعية متنوعة..
يقول الناقد العراقي مؤيد عليوي في جريدة ميدل ايست اونلاين اللندنية : السيرة الروائيّة " زمن التعب المزمن" كان جانبها الفني مستوفيا من جميع جوانبه الفنية وموضوعها، بوصف الجوانب الفنية تقنية على حد تعبير د.عناد غزوان، من اسلوب المتكلم والمناورة بأسلوب الراوي، ثم الحوار بين الشخصيات، كذلك التعامل مع أدوات الأدب الروائي من المكان (البنك وغيره) ولعبة الوقت التي بقيت كما هي متسلسلة رتيبة بما يناسب صدق الواقع التي جاءت منه، كما أن الشخصيات وحركتها وانفعالها كانت متقنة بطريقة الرسم لا الكتابة بمعنى أن الرسم بالكلمات كان واضحا للتعبير عن مواقف الشخصيات ودواخلها وطريقة تفكيرها وما ينتج من أحداث ومواقف فقد أتقن الروائي التونسي ياسين أدواته الكتابية وتقنياته الفنية في روايته هذه لافتا ان البطل لا اسم له تسير الأحداث معه دون اسم وبما أن الرواية واقعية 98 % بمعنى أحداث حقيقة جرتْ على أرض الواقع وكان البطل مظلوما بفعل أصحاب اميركا الرأسمالية بعد انتهاء النظام التونسي سنة 2011، فهذا الرمزية بعدم وجود اسم للبطل المظلوم تعني شيوع هذه الظاهرة فالظلم تكرر مرارا أينما حلتْ أمريكا واصحابها في متن الرواية، التي كتبَ عنها كتّابا ونقادا قبل هذه السطور من العراق ومن سوريا، لكن لم يكتب عنها كتّابا او نقادا من تونس مما يجعل الرواية أكثر واقعية وذات صدقية عالية إذ لهذا المفصل المهم في النسق الثقافي التونسي أهمية في صدق واقعية الرواية. أليس من الغريب الان اليوم اقصد أن تصدر ثلاث روايات لشاب تونسي اسمه ياسين الغماري ولا يُكتب عنها حرف واحد من نقاد وكتّاب من تونس؟ً ماذا فعل ليواجه كل هذا؟
يقول المُفكّر السعودي والدكتور في علم الاجتماع القدير عبدالله العرفج :" كانت أيّامًا موجعة وممتعة مع السّيرة الروائيّة "زمن التعب المُزمن" ورواية السّاعاتي "صانع الزمن" للكاتب التونسيّ ياسين الغماريّ، وإن كان يجمعهما خيط واحد وهو المرض وفساد العلاقات التونسيّة والبحث عن خلاص، إنّهما صرخة حادّة ومكتومة تُجاه عالم تونسي متُوحّش ومُهترئ، الفضاءات محدودة لكنّها صاخبة ومُضطربة يحضر المكان بكثافة ويحضر الزمان على خجل. أعمال أكثر من رائعة تُنبّيء عن كاتب متمكّن جدًّا من اللغة الروائيّة وأمامه مستقبل باهر إن تركه أهل السوء."
المزيد...