رواية طريق الحرير

رجاء عالم

روايات

رواية طريق الحرير بقلم رجاء عالم.."رقصتها سحرت البحارة، وسارت بأقدامنا العارية على الماء شمالاً، كان في طبعها التشتيت، لولا تدخل الأولاد الذين أعادوا النوايا شرقاً بخاتمة للجنوب. ولليلة كاملة أنصتنا لعالم الدفة يقذف بلسانه العربي من على سفينة من سفن طارق المنتحرة. وكان يصوغ حلقات المعلقات ويضفرها مرساة تحميه منه التيه. كل القصائد تنازل تنين ما وراء البحر، بدمائه الزرق يطلع ليمخر بنا الماء، بينا في رمقنا الصحراء تشد... ثم دخل البحار مع تنينه في هذيان طويل، وأرسل السفينة في غيمة كآبه، وأفقنا ولنجاتنا قام عازف ربابة، ففسر التنين من أوراقنا الشعبية، قال: وقاطعه كبير الأدلاء بمنتخب ابن سيرين، قال: "التنين زمان طويل وذلك لطوله...

 برأس ضئيل، وربما حفلت رؤوسه بكل بلية وفن ونوع من أنواع الشرور..." عندها ارتفع صوت: "ما التنين سوى أنثى أندلسية، متسربلة في برانس صحراويات، كلما غصت بأظافرك في جلدها فاحت عرائس خشب الصندل، حتى إذا تجلّدت وغصت خرجت لك بحور دهن العود... والنعيم للسبّاح... إذ يهوي الغمر في محارق لا نهائية..." وسرّت عنا أوهامه، فهبت الوحشة من جهة الغرب فشرقنا على غير هدى، وعلى أقدامنا المغلطمة عبر الحجج الغميقة لكل مسافر منا... عدنا من حيث بدأنا حفاة عراة، وكان الصغار يحلقون بطونهم في استقبالنا، ويتأملون أسنامنا الحادية على زبدة سرية رخيصة وأشاعوا أنها خلاصة الرياحين الأندلسية، والتي في عزيمتها أحياء المقابر النسانة أينما رحلنا أو ضربنا أطنابنا... وفي الصحراء التي كرّت، وللحرز من أناث التنين، كنا معلقين على جذوع نسوة بدويات ونخضّ، ثم نلقم عيون برد الليل الجاحظة لنتجلط خلاصتنا، ليال لم تسكت ظهورنا عن نزحها، حتى قذفنا عارض أخير لرمال قاحلة. وحين عاودتنا أجذع الخطى في الحلم كانت هوامل وتقترب من مخاضها. عرفنا أننا خلفنا نسلاً بغرب الصحراء الكبرى. لست هنا بصدد التنقل بين أذرع الأحداث، لأن بنية ذاكرتي آخذة في النحول، وكل ما يهوي عنها أتلقنه بالكثير من البخل. برجس هذا كان يجمع فضلات أوكاني، وربما أوقاتهم، وينفقها في تلميع خنجر تغطية نقوش شريرة. ثم كان يندي بالخنجر على طائر فيقع، وعلى الريح فتحيل هواء ينج برفق. وكنا قد سخرناه للصيد لبراعته السحرية. ولم يكن لنقف لشكره أو لتقتصي حقيقة فعله، كنا نتندر، حين بعبر حفرنا، على الادعاءات التي تروج عنه. ولقد تسابقنا يوماً مع إشارات الخنجر لبلوغ غزال مجنح صوب وغل. وحين بلغنا الوغل لم نعثر للغزال على أثر قال قاصوا الأثر المرافقون للرحلة: (هو غزال سراب) وارتحنا للتفسير، إذ من غير المعقول أن تكون إشارة سرجس قد بلغت الغزال، وامتطته لحجته هذه الجعبة المغبرة الضامدة! لا سيما لم يبخل علينا بعشاء اللحم الرشيق. حين انضمت هذه المرأة للرحلة انعطفت الإبل لمرعى من النواح والأسى... والأسى... وكانت تصب حزفها على لهو برجس، بدت كمن فقدت للتو حبيباً أو عداً... أرادت أن تبلغ الأرض التي أضلاعها من زبر الحديد، ولا تشرق على قلبها شمس، فتغوى، وتدخل العدة... ثم تطلب السكن لأقوام تعلن بضاضتها كما تعلف النار شفاف الورق، (رسلة) أنثى بيأس ناضح للجني، وقررت أن برجس ممتلئ بالشمس ويسبب لأحزانها العشر اليومي. لذا قررت القيمة على الرحلة، أن تنصب لها من كانا مغارةً للحزن حتى نبلغ الشرق القصي فتفارقنا لياجوجها وماجوجها". عبر الخيال، تأخير رجاء عالم القارئ برحلة شيقة على طريق الحرير. وهذه الرحلة لم تكن من عناصر محددة أو هفهافة كالحرير الأزرق، بل هي أقرب ما تكون لتقاسيم الليل والنهار (في احتوائهما على كمال العناصر وموسيقاها). تفصح الروائية من خلالها عن خارطتها في اكتمال الحمل من نوء سعد الأجنبية في السنة الشمسية الاثنين والسبعين بعد الألف والثلاثمائة.

شارك الكتاب مع اصدقائك