كتاب أوركسترا حنين
هل تريد أن يكون هذا الكتاب متوفر في اقرب وقت ممكن؟
أذهب في سواد منتصفه إلى سريري ساحبًا ورائي فُتات روحي وألف سيجارة ومرآة تسحبني لداخلي فأتلاشى في عمقي ، أغمض عينيّ مدّعيًا النوم فتقترب الساعة المعلّقة في سقف غرفتي ، فوق رأسي تمامًا لتصل عند رقبتي ، وتبدأ عقاربها تدور بتكاتها المسموعة ، تتراقص على جسدي المرمي ، تتقابل كل ستين دقيقة مرة يسرقن القبلات لستين ثانية ويفترقان ، بعد لقائين توقفا تمامًا عند اللقاء ، حول رقبتي . أحسست بروحك حولي ، وعِطرك بدأ يداعب قلبي ، فتحتُ عيني ونظرت لتلك الزاوية التي تكونين فيها كل يوم في هذه الساعة تمامًا ، تنظرين إلي وتبكين ثلاث دقائق في ساعة قلبي ، وبعد الدقيقة الثالثة تبتسمين لي وتقتربين ، تمسكين بسيجارك الأول ، تضعيه بين شفتيكِ وللحظة أتمنى أن أكون هو ، وتسحبي شهيقكِ منه ، ليعود زفيركِ علي مشكلًا ضبابة منكِ بيننا ، تقبليني من جبيني أول قبلاتك تسحبني للوراء سنينٍ طويلة وتعيدني إليكِ بلحظة ، تتوالى القبلات ، وفي كل مرة تغدو القبلة أبرد وتميل شفتيكِ للون الأزرق ، يسرقني الماضي من حضرتكِ وكيانكِ ، ليأخذني لحدثٍ حاولتُ ألف مرة نسيانه ولكنّه أبى ، وكل في كل مرة يعود بدقةٍ أكبر وتفاصيل إضافية ، عدد الشامات والتجاعيد وعدد النسمات التي زارت المكان ، وعدد الغيوم التي زينت السماء لتشهد ماحدث ، حتى رجفة يدي وثباتها ، ودمعي الذي تشكّل من غيم روحي وتساقط دفعة واحدة ، تعيدني إليكِ قبلة جديدة منكِ جمدتني ، ونقلت الجليد لداخلي ، حدّثتكِ عني وسألتكِ عنك ، قلت لكِ كم اشتقت إليكِ وقلتِ لي " وأنا أكثر " أضفتِ السُّكر لمرارة الليل ، وأنا أذوب مع السُّكر ، أغمضت عيني وأمسكتُ بيدكِ - المجمدة - وغفيت . ليتني علمتُ حينها - وكل ليلة بعد الثانية تمامًا - أنَّك لم تأتِني إلّا لغرس سكينٍ جديدٍ في قلبي - بقاياه - ولإضافة شعرة بيضاء في سواد رأسي - الذي يتلاشى - وأنَّك السواد القابع داخلي ، وتسرقين سنة جديدة مما تبقى من عمري ، فكنتُ أكبر كل ليلة ، سنة حتى أصحبتُ بهذا العجز ، وأصبح قلبي لا يضخ إلا مابصقتيه يومًا من حقارة ، وأنَّ سوادكِ يسري بشرايني ، وأن المرآة التي أحضرها كل ليلة لم تكن تعكس صورتك فيها ، وبقايا السيجارة التي تركتيها من خلفك ، كانت الشاهد الوحيد - شاهدٌ أخرس - لتشييع حُزني وقتلي . هذه المرة لن أنامَ ، رددتها سرًا وأجمعتُ طقوس اللقاء بكِ شوقًا إليكِ وذهبتُ إلى تلك الزاوية ، تجاهلتُ المرآة عمدًا ، تكورتُ على نفسي ، وضممت قدميَّ إلى صدري ، وراقبت الساعة - عينها - التي تقبع فوق رأسي أينما مشيت ، وعند الثانية تمامًا لم تأتِ . أشعلتُ سيجارك على مهل منتظرًا اللاشيء ، وفجأة صوتُ صرختك سحبني لذلك القبو المظلم ، رأيتك تبكين ، ورأيت نفسي أغرق بضلعٍ ناقص ، فتحتُ عيني وشهقت ، اليوم ذكرى وفاتكِ العاشرة إذن نظرتُ حولي لملامح غرفتي الشاحبة ، وأحضرتُ ذلك الصندوق الخشبي من تحت السرير ، أخرجتُ منها تلك الوردة التي آلت للذبول مع روحي ، وأخرجتُ رسالة من الرسائل الألف التي كتبتها لكِ يومًا ، وضعتُ الوردة داخل الرسالة ، وارتديتُ بذلتي السوداء التي شهدت زواجنا ، وربطتُ الخذلان حول عنقي واشتد بكل ما أوتي من ألم ، نظرتُ لنفسي بالمرآة ، لمحتُ الثلاث آلاف وستمئة شعرة بيضاء على رأسي ، والعشرةَ تجاعيد ، وظهري المنحني قليلًا وقلبي الواهن ، لأكتشفُ بتلك اللحظة إنني لم أعدْ أنا ، أصبحتُ ظلك . وصلتُ لقبركِ - قبرنا - وانحنيت ، لربما أمالتني الهموم وأردت أن أتكئ عليكِ ، قرأت حروف اسمكِ عشرَ مراتٍ وفي كل مرة أذرف دمعة بصمت احترامًا لقدسية الموت ، وحُبًا لكِ . أخرجتُ الرسالة من جيبي ، وقرأتها لكِ على مهل وكان صوتي يخونني مراتٍ ويبكيكِ بشهقة ، وصلتُ لنهاية الرسالة وقرأتُ آخر كلمة " أحبكِ " وبكيت ، بكيت كل أسى السنين ، غرقتُ بدمعي وأغرقتك . أخذتُ شهيقًا معبّقًا بسديمك ، وبروحِ المقابر وهمستُ لكِ للمرة العاشرة تمامًا ، بذات البحة " أنا لم أقتلك ، ولكنكِ خُلقتِ من ضلعي ، وعندما رأيت ضلعي يذهب لغيري ليجبر نقص ضلوعه تذكرتُ وعدكِ لي " لن أتظلل إلّا بظلك حتى أموت ، أعدك " ووفيتُ بوعدكِ لي ، كان عليكِ رفضه ، وتقبليني بعلَّتي متعللة بحبي لكِ ألستِ أنتِ من يغرق بالحب ! ، أنا لم أقتلك ، قتلتُ نفسي وضلعي لا أكثر ، أيّا ضلعي الذي أحب ! لا يغرَّكِ نبض قلبي ، فهو لا يضخُ إلَّاكِ داخلي ، وأنني ميتٌ مثلكِ تمامًا ولكنني أحيى لأتعذب بكِ ، وأخونك كل ليلة عند العناق الثاني بعد منتصف الليل " .
أنشر كتابك هذا