كتاب الإجتهاد والتقليد والإتباع والنظر

يحيى محمد

العلوم الاسلامية

كتاب الإجتهاد والتقليد والإتباع والنظر بقلم يحيى محمد..يشهد واقعنا المعاصر أزمة تخص العلاقة الشرعية بين المفتي والمثقف الملتزم. فقد لا يجد هذا الأخير مساغاً في إتباع المفتي في بعض الأُمور؛ للشك بصحة فتاويه وصدقها، وقد يتبعه إضطراراً لظنه بأنه متعبد بذلك حتى لو لم يكن مقتنعاً بالأمر، مما يجعل العلاقة بينهما علاقة إضطراب وتزلزل. فعقل المثقف المقلد في وادٍ، وسلوكه في وادٍ آخر. وقد تشتد هذه الأزمة أو تخف تبعاً لوعي المثقف وظروفه الخاصة.


والزاوية التي عالجنا فيها هذه المشكلة هي زاوية فقهية. فقد بحثنا حول طبيعة العلاقة بين المجتهد والانسان العامي، مما كلفنا البحث في قضايا الإجتهاد والتقليد بالقدر الذي له مساس وقرب من القضية التي نستهدفها، وهي التنظير للمرتبة الوسطى الواقعة بين مرتبتي الإجتهاد والتقليد، والتي أطلقنا عليها (النظر)، إذ بها يمكن علاج المشكلة الدائرة حول العلاقة بين المثقف والمجتهد، ومن ثم القضاء على ما يعترضهما من أزمة كتلك التي أشرنا إليها.

وقد إعتمدنا في كل ما طرحناه على الأساليب التقليدية المتعارف عليها في الأدلة والمناقشة. كذلك إنفتحنا على كلا الإتجاهين السني والشيعي، وتعاملنا معهما تعاملاً جوانياً بحسب الشروط الأُصولية التي يرتضيها كل منهما.

إذاً فهذه الدراسة تخاطب فئتين من الناس؛ المختصين والمثقفين. فهي تخاطب المختصين لأجل إقناعهم بذلك التنظير وفق نفس المبتنيات التي أسسوا فيها طروحاتهم الإستدلالية للقضايا الفقهية. كما أنها تخاطب المثقفين الملتزمين لتنبههم على السلوك الصحيح الذي ينبغي اتخاذه وفق قناعاتهم وما تراه عقولهم. فلعل ذلك يساهم مساهمة جادة للنهوض بالأُمة بجعل عقول المثقفين تقوم بدورها الفاعل في التأثير على مجريات الحياة في القضايا التي لها مساس بالحياة الدينية.

وبخصوص مباحث الكتاب، فهي على ثلاثة أقسام رئيسية، خصصنا الأول منها لموضوع الإجتهاد، فتحدثنا عن مفهومه وتطوره والأدلة الموضوعة حول حجيته، وانتهينا الى عدم وجود دليل ثابت عليه؛ سوى الحاجة الماسة له بعد مرحلة النص المنزّل. كما خصصنا القسم الثاني من الكتاب للتقليد، فتحدثنا عن نشأته وتطوره ومن ثم استعرضنا الأدلة التي قُدمت لإثبات حليته، وكذا الشروط التي وضعت لتسويغه؛ كشرط الحياة والأعلمية والذكورة، وانتهينا الى أنه لا دليل على التقليد سوى الاضطرار. ورأينا أنه يسوغ للعامي الرجوع الى أيّ فقيه مجتهد تقي ورع؛ وإن كان إمرأة ومفضولاً وميتاً، فلا دليل على وجوب الرجوع الى الفقيه المتصف بالذكورة والأعلمية والحياة. كما دعونا الى ضرورة إنشاء مؤسسة تقوم على التخصص والشورى؛ لتكون مرجعاً تتحدد من خلالها الأحكام الفقهية، وبذلك يمكن أن تعمل هكذا مؤسسة على توحيد الأمة او الدولة او الطائفة بتوحيد فكرها وقرارها.

أما القسم الأخير فقد اختص بعرض اطروحتنا الجديدة حول (النظر)، كمرتبة لا تعود الى الإجتهاد، ولا التقليد، ولا الإحتياط، إذ تتميز بخاصية النظر في أدلة المجتهدين لترجيح بعضها على البعض الآخر، سواء في قضايا الفقه او العقيدة. لذلك فهي تناسب عقل المثقف الملتزم باعتباره يمتلك القدرة على التمييز بين الآراء والأدلة وإن لم يكن من أهل الإختصاص في الفقه والعقيدة. وعليه فقد عرّضنا آراء الفقهاء للنقد حين حصروا الممارسة التكليفية ضمن دوائر الإجتهاد والتقليد والإحتياط. 

شارك الكتاب مع اصدقائك