كتاب الدولة اﻹسلامية

تقي الدين النبهاني

التاريخ والحضارات

كتاب الدولة اﻹسلامية بقلم تقي الدين النبهاني ....لم يع الجيل الحاضر على الدولة الإسلامية التي تطبق الإسلام، والذين عاشوا في أواخر الدولة الإسلامية (الدولة العثمانية) التي أجهز عليها الغرب، إنما رأوا بقايا دولة فيها بقايا حكم إسلامي؛ ولهذا فإن من أصعب ما يجد المسلم تقريب صورة الحكم الإسلامي إلى أذهان يسيطر عليها الواقع، ولا تستطيع أن تتصور

 الحكم إلا في مقياس ما ترى من الأنظمة الديمقراطية الفاسدة المفروضة على البلاد الإسلامية فرضا. وليست الصعوبة في هذه وحده، وإنما أصعب الصعوبة في تحويل هذه الأذهان (المضبوعة) بالثقاقة الغربية. لقد كانت هذه الثفاقة الغربية سلاحا شهره الغرب في وجه الدولة الإسلامية، وطعنها به طعنة نجلاء أودت بحياتها، وحمل إلى أبناء هذه الدولة سلاحه هذا يقطر من دماء أمهم القتيل، وقال لهم مفتخرا: (لقد قتلت أمكم العجوز التي كانت تستحق القتل لسوء حضانتها لكم، وقد مهدت لكم عندي حضانة تتذوقون فيها الحياة السعيدة والنعيم المقيم) ومدوا أيديهم يصافحون القاتل، وما يزال سلاحه هذا مخضبا بدماء أمهم، لقد فعل معهم فعل الضبع - فيما يروون - حينما تجعل فريستها تذهل إلا عن اللحاق بها، فلا تصحو إلا بضربة يسيل لها دمها، أو تصل بها الضبع إلى قعر الوادي فتأكلها. فمن لي بأصحاب هذه الأذهان المضبوعة أن يعرفوا أن هذا السلاح المسموم الذي قضى على دولتهم الإسلامية، هو نفسه الذي يقضي دائما - ما تمسكوا به - على حياتهم وكيانهم، وأن هذه الأفكار التي يحملونها - من القومية وفصل الدين عن الدولة ومن آراء تطعن في الإسلام - هي تعص السموم التي حملتها لهم هذه الثقافة، وفصل (الغزو التبشيري) من كتاب الدولة الإسلامية هذا - وكله حقائق وأرقام ناطقة - يرينا القاتل المجرم، ويقفنا على السبب الذي حمله على ارتكاب الجريمة، ويبصّرنا بالوسائل التي توسل بها للقضاء على القتيل، وما كان السبب إلاّ قصد محو الإسلام، وما كان أهم الوسائل إلاّ هذه الثقافة التي جاءت مع الغزو التبشيري. لقد غفل المسلمون عن خطر هذه الثقافة، وصاروا يحاربون المستعمر ويتناولون منه ثقافته، مع أنها هي سبب استعمارهم، وبها يتركز الاستعمار في بلادهم، ولينظروا بعد هذا كم يكون منظرهم متناقضاً تناقضاً مزرياً ومضحكاً معاً، وهم يديرون ظهورهم للأجنبي - يدّعون محاربته - ويمدون إليه أيديهم من خلف ليتناولوا بكلتا يديهم سمومه القاتلة يتجرعونها، فيسقطون بين يديه هلكى، يحسبهم الجاهل شهداء نزال، وما هم إلاّ صرعى غفلة وضلال. ماذا يريدون؟ دولة على غير الإسلام؟ أم يريدون دولاً متعددة في بلاد الإسلام؟ لقد أعطاهم الغرب - منذ صار الأمر إليه - دولاً كثيرة، ليتم خطته في إبعاد الإسلام عن الحكم، وفي تقسيم بلاد المسلمين، وفي تخديرهم بالتافه من السلطان، ولا يزال يعطيهم كل حين دولة ليمعن في تضليلهم وليزيد في تقسيمهم، وهو على استعداد لأن يعطيهم أكثر ما داموا يحملون مبدأه ومفاهيمه لأنّهم تابعون له. ليست الدولة الإسلامية خيالا يداعب الأحلام؛ لأنّها قد امتلأت بها جوانب التاريخ في مدى ثلاثة عشر قرناً، فهي حقيقة. كانت كذلك في الماضي، وتكون كذلك في المستقبل القريب، لأنّ عوامل وجودها أقوى من أن ينكرها الزمن، أو يقوى على مصارعتها، وقد امتلأت بها اليوم العقول المستنيرة، وهي أمنية الأمة الأمة الإسلامية المتعطشة لمجد الإسلام. وبعد، فإن كتاب (الدولة الإسلامية) هذا لا يقصد به أن يؤرخ للدولة الإسلامية، وإنما يقصد به أن يشاهد الناس كيف أقام الرسول ﷺ الدولة الإسلامية، وكيف هدم الكافر المستعمر الدولة الإسلامية، وكيف يقيم المسلمون الدولة الإسلامية؛ ليعود للعالم النور الذي يضيء له طريق الهدى في حالك الظلمات.

شارك الكتاب مع اصدقائك