كتاب العين والإبرة: دراسة في ألف ليلة وليلة

عبد الفتاح كيليطو

مجموعة قصص

الغلاف: من قصة بياض و رياض، بياض يغني و يعزف على العود، أمام إحدى السيدات و وصيفاتها. المغرب - القرن الثالث عشر الميلادي (المكتبة الانكليزية في الفاتيكان)

إن الانطباع الذي يحتفظ به المرء عن "الليالي" هو أن الكلام سيد فيها، إذ يتحقق التواصل بطريقة شفهية، فالحكايات لا تقرأ بل تسمع، ومع ذلك إذا نظر إليها عن كثب فسيتبين أن السرد الشفهي لا يعدو أن يكون مرحلة من مراحلها تتلوها أخري حاسمة هي مرحلة تدوين الحكاية كتابة. وتتكرر هذه العملية مراراً (وبصفة خاصة عندما يكون الملتقي ملكاً) إلي حد تفرض معه الخلاصة التالية نفسها: لا تتم المصادفة النهائية علي الحكاية، حقاً، إلا عندما تصل إلي الكتاب.
من ثم تنبثق سلسلة من التساؤلات: من القادر علي تمرير الحكاية من سجل الشفهي إلي سجل الكتابي؟ ماذا يمكن القول عن مفهوم الراوي ومفهوم المؤلف؟ إلي أية خزانة يؤول الكتاب؟ وأية أيد تستطيع فتحه؟ ولماذا حالما يتم تسجيل الحكاية لا يبقى ثمة ما يروى، اللهم موت الشخوص؟ بواسطة أي مفعول سحري يغدو الكتاب عنصراً من عناصر الموت، هذا في الوقت الذي يقدم فيه نفسه بوصفه مساعداً وبلسماً مخصصاً لتقوية الحياة وتحسينها؟ وما الداعي إلي إغراق الكتب؟

في مجرى الماء، وبصفة تدريجية ستسعي قراءتي لكتاب "الليالي" لا إلي تجريده من أسراره (بوساطة ما لا أدري من شبكة تأويلية) بل إلي إطلاعه علي سره الخاص، وذلك دون المس بكل احتمالات معناه. وفي كل لحظة ستكون العين والإبرة حاضرتين في الموعد.

شارك الكتاب مع اصدقائك

2023-09-27

يتحدث الكتاب عن حكايات الف ليلة وليلة ، التي تسمى بالليالي ، تلك الحكايات التي نجت من خلالها شهرزاد من قطع رأسها و أنجت ما تبقى من فتيات .
فهي تَعِد شهريار بالمتعة ثم تؤجلها ،فتؤجل مصيرها ، وكلما أشبعت به رغبة أثارت أخرى محمّلة بالذكريات الجميلة للرغبات السابقة . تخلق له انتظار مقلق وترقب .
فكانت الحكايات بمثابة هروب من الجمود لزوجها ، وهروب من الموت لها ، تعطيه المتعة بقصصها ويعطيها الحياة ، والمتعة حياة ، والجمود موت ، و تمتلك شهرزاد المعرفة من خلال نقلها لزوجها ، فامتلاك المعرفة لا يتم سوى بنقلها ،منافع متبادلة و عادلة .
لا تخبره بالعبرة من الحكايات الا بعد الانتهاء ، او يقوم هو باستخلاصها ، فاستخلاص العبر يشحذ الذكاء.
ما هي العبرة ؟ العبرة من العبور وقطع المسافة ، فالمستمع يعبر الجسر الذي اقامته الحكاية ويلتحق بالضفة الاخرى ليكتشف العبرة .
هل يمكن ان نكتب على آماق البصر بواسطة إبرة حادة حكاية برمتها تحمل في طياتها الحكمة !؟ طبعا ذلك مستحيل واسلوب تنبيهي جيد لبداية قص الحكايات لإثارة المتلقي ، و لإخباره ضمنيا ان هناك عبرة فاعتبر .

من هو القارئ الجيد ؟ هناك شرطين اثنين اولا ان يفكر بمصيره حينما يعلم ما يحصل للآخرين في الحكاية تلك هي العبرة ، فاعتبروا يا أولي الألباب ...
ثانيا القارئ مدعو ضمنيا لكتابة الحكايات ..

يقال انه ليس بوسع أي احد ان يقرأ الليالي كاملة دون ان يموت لأسباب ؛ فهي عديمة الجدوى ، ويمكن ان يموت القارئ مللا ، والقارئ لا يستطيع اكمال الكتاب لأنه ليس له نهاية ، فله مخطوطات وترجمات وطبعات ، كما انه سيظل هناك نص آخر قابلا للكشف والقراءة ..
ممتعة كتب عبدالفتاح كليطو وثرية ، فلا يمكنني ان اقرأ الليالي خشية الموت مللا ! لكنني يمكن ان اقرأ لكليطو ما يكتب عنها واستخلاصه للعبر منها وتحليله الفذ لها من خلال المقاربة والمقارنة والتأويل ، يعدني باستخلاص معلومات غائبة عني وينجيني من الموت والجمود .... ويحصل هو على قارئة نهمة لأعماله ، منفعة متبادلة ...