كتاب جناية أحمد أمين على الأدب العربي

زكي مبارك

الفكر والثقافة العامة

كتاب جناية أحمد أمين على الأدب العربي بقلم زكي مبارك..هذا الكتاب... ربما أثار عند من لم تتح له -من ناشئة الأدب وطلابه فرصة الإطلاع على مجلتي الرسالة والثقافة في الثلاثينيات من هذا القرن- الدهشة والاستغراب وذلك لسببين: الأول: حيوية ونشاط جيل الرواد من رجال الأدب حينئذ وجرأتهم في اقتحام موضوعات على جانب كبير من الأهمية والخطورة، موضوعات جامعة وشاملة لمختلف قضايا العصر ومشكلاته.

الثاني: الأسلوب الذي كانت تجري به المناقشة ويدور الحوار بين أولئك الأفذاذ من الرجال خاصة أن هذه المقالات (موضوع الكتاب) من دون غيرها من المعارك الأدبية حينئذ قد تناولت واحدة من أكبر القضايا الفكرية والثقافية التي كانت شاغل الكتاب والأدباء في ذلك الوقت ألا وهي قضية (التراث العربي) وقيمته وصلتنا به ومكانته في الفكر الإنساني عامة، وليس شك في أن هذه القضية قديمة جديدة أو هي متجددة أبداً ما دام أن هناك أمة تنزع إلى ذلك التراث بصورة من الصور، وما دام أن هذا التراث يعتبر تاريخاً لأمة ما زالت تعيش وتناضل من دون حقها في الحياة ووجودها بين الأمم.

أما عن فكرة إخراج هذه المقالات في كتاب فإنها ليست جديدة فإن الدكتور زكي مبارك يذكر في المقالة قبل الأخيرة (الحادية والعشرين) أن القراء كتبوا إليه في هذا الأمر. يقول (إن تشجيع القراء وحرصهم على أن تجمع هذه المقالات في كتاب يرجع إليه من تهمهم معاودة النظر فيما شرحناه من الحقائق الأدبية وذلك التشجيع لا يهمني كثيراً وإن كان يدلني على يقظة القراء ورغبتهم في محاسبة الكتاب والباحثين، هذا وقد كان هناك اقتراح بأن يستبدل بعنوان هذه المقالات وهو "جناية أحمد أمين على الأدب العربي"، العنوان التالي (دفاع عن الأدب العربي) ولكن رؤى العدول عنه إلى الاحتفاظ بالعنوان القديم الذي خرجت به هذه المقالات لسببين اثنين:

1-إن الأمانة العلمية تقتضي الإبقاء على العنوان القديم، فقد ظهرت هذه المقالات إلى الناس بالعنوان المذكور وما زالت في مجلدات الرسالة وغيرها من المجلات العربية، والكتب التي أشارت إليها ولا يعرف الناس قديمهم وحديثهم غير هذا العنوان القديم عنواناً آخر.

2-إن هذا العنوان (جناية أحمد أمين على الأدب العربي) لم يخترعه زكي مبارك ولم يهجهم به على الأستاذ أحمد أمين ولا هو يجني عليه كما لم يقصد من ورائه الإساءة بل أنه في حدود ما تدل عليه هذه المقالات لم يرم إلى أن ينزل من قيمة أحمد أمين أو يهدمه أو يشكك في وطنيته وعلمه ومقدرته لا...!؟ فقد كان زكي مبارك كما سيرة القارئ أحرص ما يكون على صداقة أحمد أمين وسمعته الأدبية ومودته واعترافه بفضله وجهوده العلمية؟ وإنما أخذ زكي مبارك هذا العنوان من الأستاذ أحمد أمين نفسه لأن الأخير نشر عدة مقالات تحت عنوان (جناية الأدب الجاهلي على الأدب العربي)، فجاء زكي مبارك ليقول: أن الجاني على الأدب العربي هو أحمد أمين نفسه، لا الأدب الجاهلي، وإذن هناك دعوى بوجود جان على الأدب العربي هو عند أحمد أمين الأدب الجاهلي وعند زكي مبارك أحمد أمين نفسه.

(وحقيقة أن الدكتور زكي مبارك سبق أن تمرس بهذا الفن الأدبي الممتاز منذ نعومة أظفاره حين كان يحرر مجلة (الأفكار) من أولها إلى آخرها ثم ما تلا ذلك من جهوده المتصلة المعروفة، ولكن هذه المقالات سجلت لزكي مبارك تفوقاً من نواحي ثلاث: 1-أسلوبه السلس الممتاز مع فخامة واضحة. 2-الجدية فيما كان يعالج في هذه المقالات مع تقصيه لما في بطون الكتب القديمة وثنايا الدواوين الشعرية الموغلة في القدم والتي كان بعضها مخطوطاً، إلا أن الدكتور زكي مبارك استطاع بحاسته الفنية وعقله الدؤوب وجهده المتصل وذوقه الرفيع أن يتسلسل إلى تلك الكتب فيعرض خير ما فيها بأحسن أسلوب يساعده على ذلك قدرة فائقة على الثبت من الموضوع الذي يعالجه والتحكم بالمادة التي بين يديه ثم حسن توجيهه لنماذجها واختياره الموفق الذواق لتلك النماذج.

أما عن موضوع هذه المقالات فينقسم إلى قسمين: قسم تناول أدب المعدة وأدب الروح مع الخلوص إلى أن الأدب العربي في معظمه أدب معدة، والقسم الآخر اتهام الأدب العربي -خاصة الشعر منه- بأنه لم يتطور إلا في حدود ضيقة جداً وإن الصورة الجاهلية مدفوعة بقوة استمرارية دفاقة ظلت ترى في أخيلة الشعراء وضمائر المنشدين أزماناً طويلة.

كما يتصل بهذين الاتهامين اتهام ثالث وهو ضعف التحليل في الأدب العربي وأنه في معظمه أدب تركيبي من نوع الأدب الذي تنتجه الأمة في عهودها الأولى، في فطرتها وبراءتها وهمجيتها!

 

شارك الكتاب مع اصدقائك