كتاب ديوان عبد القادر الجيلاني

يوسف زيدان

الشعر

ظل الشعر دوماً، معيناً يرده الصوفية للارتواء من نبع التعبير الصادق، وأداة مناسبة لتصوير أدق حقائق الطريق.. تلك الحقائق التي تلوح لقلوب أتقياء هذه الأمة في ارتحالهم الذوقي لمنابع النور الالهي، سيراً بأقدام الصدق والتجرد من الأكوان،

  وطيراً بأجنحة المحبة لاختراق سماوات الأحوال والمقامات.. حتى عصبا الترحال والسفر عند خيام القرب من الله. وبالنظر في الآثار الصوفية، نجد بأن هناك ثلاثة أشكال رئيسية، عبر خلالها أصحاب الطريق الصوفي عن أدق رقائقها وحقائقها، وعبروا بها تلك الإشكالية الكامنة في عجز اللغة العادية وقصورها عن ترجمة هذه المعاني بدقة، فكانت هذه الأشكال التعبيرية: الكتابة النثرية بألفاظ اصطلاحية موغلة في الاستغلاق، القصص الرمزي المفعم بالتلويحات،ثم الشعر الصوفي. وتأتي ضرورة بحث هذه الأشكال التعبيرية الثلاثة من كونها السبيل الوحيد لفهم التصوف وطريق الولاية بعمق، وان كانت للشعر أهمية الخاصة، فهو من حيث طبيعته، وبما يتميز به من إيجاز لفظي ودلالات رحبة، خليق بأن يلمح به الصوفي إلى مكاشفات الوصول ومشاهدات الولاية، دون ما إسهاب من شأنه أن يوقع أهل التحقيق في مزالق اللغة ومضايق الفهم. ومن هنا قال الصوفي في شعره، ما لم يقله في كلامه لأهل زمانه، وقصائد الجيلاني التي يضمها هذا الكتاب لهي خير شاهد على ذلك. هذا ولما كان الشعر الصوفي في أبياته القصار وقصائده المطولة على هذه الدرجة من الأهمية، ولما كان الصوفية قد ارتضوه قالباً تعبيرياً منذ فجر التصوف وحتى اليوم، ولما كان المحقق بصدد تقديم نموذج منه في هذا الديوان، ولأنه في خاتمة المطاف نمط مستقل من الإنتاج الشعري، ذلك اقتضى منه التوقف حيناً في مستهل الكتاب، لتحديد الخصائص العامة التي يتميز بها هذا اللون الشعري.   

شارك الكتاب مع اصدقائك