كتاب لنتعلّم كيف نتعلّم

حبيب عبد الرب سروري

نصوص وخواطر

تكون المسائل والقضايا المتصلة بحضارتنا، بأسئلتها اللامتناهية، وتشابك ظواهرها، وإنجازاتها، وعلاقاتها، لا سيما من خلال الفضاء العلمي والتكنولوجي والاجتماعي، من منحيين، تحليلي ونقدي، متماهٍ ومقاوم، قابل ومشكك،

   ومن هذه المنطلقات ينخرط المؤلف حبيب عبدالرب سروري في كتابه الجديد «لنتعلم كيف نتعلم، استخلاصات شاهد على حضارة جديدة» (عن دار رياض الريس، بيروت)، يرى، ويشهد، ويتفاعل، وينفتح، ويرصد، ويرفض، ويشكك ويرحب. كأن ما يجري اليوم يقلب الموازنات الطبيعية، والمعطيات الكونية، والتاريخية، والاجتماعية، والسياسية، كأن الانسان الذي كان سيد العالم بعقله، ها هو يتوغل في علومه الجديدة، والتكنولوجيا ليخلق «كائنات ذكية» طلعت من عبقرية العقل لتتجاوزه، ولتدرك معالم لم يسبق أن أدركها، ولتتقوي على هذا الدماغ، الذي بات كتلة مهددة على مشرحة العلم، لتفكيك أسراره، واكتشاف مساراته، وحدوده.. في سبيل الوصول إلى كائن جديد، «ذكي» بصناعة علمية؛ كأننا صرنا في عالم آخر من الذكاء الفطري أو الطبيعي الذي لم يعد كافياً لمواجهة هذا العالم الجديد. إنها حضارة الذكاء الاصطناعي، يصنعها الإنسان كما يصنع السيارات (من دون سائق)، أو «السيارة الطائرة»، أو تولي عمليات جراحية بلا أطباء.. من الروبوت إلى أبعد من الروبوت. بل إلى أبعد من تخوم الجسم، والخلائق، وأسفار الوجود وأساطير المخيلات، والهذيانات الغيبية. عالم ينفي «لزوم ما يلزم» مما ورثه الإنسان، سواء في معطياته الوراثية، أو في جيناته الغامضة. لحظة الفصل بين العلم وبين الطبيعة، لكن من دون إزالة جدليتهما، وتفاعلاتهما، وتضاداتهما. الكتاب في عدة محاور الى الطبيعة الإنسانية، أي الطبيعة الإنسانية في عصر الوسائل التكنولوجية. في المحور الأول يسلط الكاتب الضوء على معالم كثيرة من طبيعتنا «والخوض في شفرة الحياة وشجرة أنساب الإنسان في ضوء علوم اليوم»، ليذهب إلى واقع اللغة، تاريخها، وبداياتها، وبداية الإنسان. أما المحور الثالث «كوكبنا الأزرق اليوم»فهو محاولة لـ«استيعاب ما يعانيه هذا الكوكب من تدمير لمنظومته البيئية». ويليه المحور الثالث والأخير الذي يحاول فيه الكاتب سبر أغوار أهم معالم هذه الحضارة الجديدة لا سيما في فضاء الإنترنت والتكنولوجيا الحديثة والحياة الاجتماعية الجديدة، وفي عوالم الذكاء الاصطناعي، من خلال السنوات العشر القادمة». كتاب مثير، يحتضن مختلف المقاربات التي ينتجها العلماء والمفكرون واللغويون والاجتماعيون، مستخلصاً أبرز مساراتها، وظواهرها، ومخاطرها، ليس فقط على دور الإنسان الطبيعي بل على احتمال غيابه. كأنه كلما تقدمت التكنولوجيا والعلوم، يتراجع الإنسان في عقله ويتقدم في غيبوباته السياسية، وكأنه كلما ازدادت المعارف تخلف الإنسان، وتقهقر، وجهل، وارتمى من خلال هذه الإنجازات العلمية في أنواع التطرف الديني، والعنصري، والشعبوي!  

شارك الكتاب مع اصدقائك