كتاب من كان بيته من زجاج فلا يرم غيره بحجر

أبو محمد عاصم المقدسي

العلوم الاسلامية

كتاب من كان بيته من زجاج فلا يرم غيره بحجر بقلم أبو محمد عاصم المقدسي..فقد خُطت هذه الكلمات في وقت تناقضت فيه المعطيات في واقعنا المعاصر في أعين السطحيين، الذين لا يعرفون تاريخ الصراع وحقيقته بين الحق والباطل، وذلك أني كنت في عزلة عن العالم في زنزانتي الانفرادية، لا أعرف عن أخبار الدنيا إلى أن سمح لي بالصحف بعد أكثر من سنتين ونصف..



فطالعت الهجمة الشرسة التي يشنها الحاقدون على قرآننا العظيم، وشرعنا المبين، ونبينا الكريم صلوات الله وسلامه عليه، عبر كتب تسود، ومقالات تنشر، وأفلام ورسوم تصور، من قبل يهود حاقدين، وصليبيين حانقين، أغاظتهم عزة هذا الدين، وانتشاره في ديارهم، وشاركهم في ذلك، كتاب منتسبون إلى الإسلام، لا يعرفون منه إلا الاسم، ولا من معالمه إلا الرسم..

لم يجدوا طريقة للحصول على أسمى أمانيهم من الأموال والجنسيات الغربية، والحماية والشهرة إلا بالطعن بدين آبائهم وأجدادهم والتبرؤ منه، وتشويه أحكامه، والافتراء على شرائعه وآياته، فدخلوا مزبلة التاريخ من أقذر أبوابها..

وظن هؤلاء وأولئك –لجهلهم وسفههم- أنهم سيطفئون -بسخافاتهم تلك- نور الله، أو أنهم سيوهنون بمكرهم وكيدهم دين الله، فخابوا وخسروا، قال تعالى: "يُريدونَ أَنْ يُطْفِئوا نورَ اللهِ بِأَفْواهِهِم وَيَأْبى اللهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نورَهُ وَلَو كَرِهَ الكافِرون{32}هُوَ الذّي أَرْسَلَ رَسولَهُ بِالْهُدى وَدينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلى الدّينِ كُلِّهِ وَلَو كَرِهَ المُشرِكون{33}" 32-33 التوبة.

وقال سبحانه: "ولا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ. إِنَّ العِزَّة لِلهِ جَميعاً هُوَ السَّميعُ العَليم" 65 يونس.
ووجه التناقض الذي يتحدث عنه السطحيون، أن هذه الهجمة الشرسة تجري أكثرها في البلاد التي تتبجح بحرية الاعتقاد، وحق الإنسان باختيار دينه، وكفالة أدائه لشعائره، ويعقد فيها مؤتمرات الحوار بين الحضارات وأخوّتها والتقريب بينها، إلى غير ذلك من الهراء الذي يموهون به على السذّج والجهال، ويضحكون به على السطحيين والمساكين. والحقيقة التي أشرت إليها في طيات هذه الأوراق، أن هذه الحرية المدّعاة، والاحترام المزعوم، والحقوق المكفولة للأديان ؛ تبذل عندهم لكل الأديان حتى الوثنية منها، كالبوذية والهندوسية وغيرها.. والتي لا يجدون فيها ما يحسدونها عليه..

أما دين الإسلام، الذي حرّقوا أسنانهم عليه بغيا وحسدا من عند أنفسهم، فلا يبذلون له ولشرائعه وقرآنه وأهله الاحترام المزعوم، والحقوق المدعاة، بل لا ينال منهم إلا حربا مسعورة حاقدة ظالمة ؛ وذلك لأنهم صعقوا بجحافله تدك معاقلهم وبراياته ترفرف في ديارهم وبين شبابهم فانتشرت اللحى الشقراء المباركة تزين الوجوه الحمراء ذات العيون الزرقاء ، وازدانت كثير من بناتهم واعتزت بالحجاب بل وبالخمار الذي غزى شوارعهم ومدارسهم في زمن ضعف المسلمين المادي وزوال دولتهم وسلطانهم ورغم ما دهاهم من استضعاف ووهن وتشتت، مكذبا بذلك مزاعمهم ودعاواهم عن انتشار الإسلام بالسيف وحده ..

ولقد كان هنتينغتون وفوكوياما وبوش وأضرابهم أصرح القوم وأصدقهم حين أعلنوها صريحة دون مواربة حربا صليبية وحربا بين الحضارات، وهجمة على الإسلام والمسلمين.
ولما كان كل يعمل على شاكلته وربك أعلم بمن هو أهدى سبيلا، فنحن لن نرد على باطل أولئك بباطل مثله، ولن نقابل الافتراء بافتراء، ولا الكذب بالكذب.. كلا وحاشا ؛ فما يُتطهّر من النجاسات والعذرة والبول بمثلها.. وإنما يتطهر منها بالماء الطهور.

ولن نرد على رسومهم برسوم، ولا على أفلامهم بأفلام وسخافات .. بل سنقمعهم –بعون الله- قمعا، وسنستأصل باطلهم استئصالا ببيانه وإظهاره للناس، وكشفه وتعريته وفضحه للأمم، من خلال دراسة علمية جادة ـ تتحلى بالدقة والإنصاف ـ لأقدس كتبهم التي يقوم عليها دينهم، وتتصل بها جذور ثقافتهم، وندعوهم في ذلك للنزال بمثل هذه الدراسات العلمية الجادة ومن خلالها؛ لا من خلال الرسوم والسخافات والفشر والهذيان، فمن كان منهم ذا باع في هذا، فليشمر عن ذراعه، ولينزل إلى الميدان، وأنا أمهلهم وأنتظرهم وأمنحهم الفرصة لنزالي في هذا الباب ما تبقى لي من عمر، وإن أمت فسيسخر الله لدينه من هو خير مني..

فذلك وعد الله الذي أخبرنا وبشّرنا به الصادق المصدوق في الحديث الذي يرويه ابن عدي والعقيلي وغيرهما: ( يحمل هذا العلم من كل خلف عدول ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين )، وفي الحديث الصحيح المخرج في الصحيحين وغيرهما : ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق –وفي رواية قاهرين لعدوهم- لا يضرهم من خذلهم-ولا من خالفهم- حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك).

فأسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى وبمنه وفضله وكرمه أن يجعلني من أجناد هذه الطائفة ، ومن أنصار دينه، وأن يتقبل مني هذا الجهد، ويجعله خالصا لوجهه الكريم، وصدقة جارية إلى يوم المعاد، وصلى الله وسلم على نبينا وحبيبنا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

شارك الكتاب مع اصدقائك