كتاب موسوعة العذاب 1

عبود الشالجي

الفكر والثقافة العامة

كتاب موسوعة العذاب 1 بقلم عبود الشالجي  7 مجلدات نبذة النيل والفرات: العذاب شعبة من شعب الظلم، والظلم في اللغة، وضع الشيء في غير موضعه، وفي الاصطلاح: إيذاء الناس وانتقاص حقوقهم، وهو خلاف التقوى التي هي مخافة الله، والعمل بطاعته. قال تعالى: "فقطع دابر القوم الذين ظلموا". وقال النبي صلوات الله عليه: الظلم ظلمات يوم القيامة، وقال من أعان ظالماً، سلطه الله عليه، والتاريخ مشحون بأخبار قوم بغوا وظلموا، فمنهم من عوجل، ومنهم من أمهل. غير أن عاقبة ظلمه لحقت أولاده وأحفاده

  وأهل بيته، مصداقاً لقول النبي صلوات الله عليه: من خاف على عقبه وعقب عقبه فليتق الله، وقد ابتلى الناس في مختلف أدوار التاريخ بأشخاص قساة ظالمين ظلموا، وعذبوا، ونكلوا، واستأصلوا، وأبادوا أمماً من الناس، فكانت عاقبة هؤلاء الظالمين البوار، وتردت أسماؤهم بأودية العار والشنار، ولم يكن العذاب ممارساً في صدر الإسلام، فإن الإسلام جاء بالسلام، والمودة والعطف والرحمة، وشعاره أن لا إكراه في الدين. واختصر نبي الإسلام عليه السلام جميع ما قام به، في كلمة واحدة، قال: بعثت لأتمم الأخلاق. وكانت وصية لكل سرية يبعث بها إلى الحرب، لا تغلو، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا امرأة ولا وليد. وخلفه أبو بكر الصديق، فكانت وصيته أمراء جيشه: لا تخونوا، ولا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً، ولا شيخاً كبيراً، ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً، ولا تحرقوه، وسوف تمرون بقوم قد فرغوا أنفسهم في الصوامع (يريد الرهبان) فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له. وجيء إليه مرة برأس أحد القتلى في إحدى المعارك، فغضب، وقال: هذا من أخلاق العجم، ومنعهم من تكرار ذلك إذا اعتبر أن قطع الرأس من المثلة المنهي عنها. وكان الخليفة عمر الفاروق يقول لعماله: إني إنما استعملتكم على الناس لتقضوا بينهم بالحق، وتقسموا بالعدل، ولم استعملكم لتضربوا أبشارهم أو لتأخذوا أموالهم. ولما تسلط الأمويين على الحكم تغير الأمر عما كان عليه في عهد الخلفاء الراشدين، فظلم بعضهم الناس، وسلّطوا عليهم عمّال من الظالمين، وأول من سلط على الناس من هؤلاء الظالمين زياد بن أبيه فعذب الناس ودفنهم وهم أحياء، وبنى عليهم الحيطان، وقطع أطراف النساء. وأما الحجاج بن يوسف الثقفي، فقد عم شؤمه جميع أهل بيته وأفراد عائلته، فإنه لما هلك، واستخلف سليمان بن عبد الملك، أمر بجميع الرجال من آل أبي عقيل، عائلة الحجاج، فاعتقلوا بواسط، وعذبوا، حتى ماتوا أجمعهم تحت العذاب. ولما استولى العباسيون على الحكم، أعلنوا أنهم حاربوا الأمويين لسوء سيرتهم خرقهم بالناس وإذلالهم واستئثارهم بالفيء والمغانم، وكانوا يكررون أنهم غضبوا لما كان الأمويون يصنعون بالناس، من قتل للرجال، وسبي للنساء، وأسر للأطفال، وصلب على جذوع النخل وإحراق بالنيران، ونقي في البلدان. ولكن بعض هؤلاء العباسيين، كالمنصور، والمتوكل، والقاهر، وتعدى ظلمهم ظلم من سبقهم، فإن المنصور مارس نحو الرعية جميع ألوان العذاب، فدق الأوتاد في العيون، وسمّر المعذبين في الحيطان، ودفن بعضهم أحياء، وبنى على البعض الحيطان، وهدم على الآخرين البيوت. وقد اثبت ابن الأثير في كتابه الكامل في التاريخ فصلاً في مظالم البريديين، ثم قال: إنه ذكر هذا الفصل ليعلم الظلمة أن أخبارهم تنقل وتبقى على وجه الدهر، فربما تركوا الظلم لهذا السبب، إن لم يتركوه لله سبحانه وتعالى. وذكر الجاحظ، في أحد كتبه، نفراً ممن اشتهروا بالظلم، فبعث الله عليهم المحق، ولم يجعل من نسلهم عقباً مذكوراً، ولا ذكراً نبيهاً وذرية طيبة، مثل الحجاج بن يوسف، وأبي مسلم الخراساني، ويزيد بن أبي مسلم (خليفة الحجاج على العراق) فإن هؤلاء مع كثرة الطروقة، وظهور القدرة، ومع كثرة الأنسال، قد قبح الله أمرهم، وأخمل أولادهم، فهم بين من لم يعقب، أو بين من هو في معنى من لم يعقب. إن هؤلاء الظالمين، الذين ضربوا أسوء الأمثال، في الظلم والقسوة، والبغي، سود التاريخ صفحاتهم، ولا قوا ببغيهم سوء المصير، وتحقق فيهم قول النبي صلوات الله عليه: من خاف على عقبة وعقب عقبه فليتق الله، فإن هؤلاء الذين لم يتقوا الله، وبغوا، وظلموا، كانت عاقبتهم أن انقرض عقبهم، فلا ترى من نسلهم أحداً. ألوان من العذاب يقشعر البدن عند تصورها، ويحتبس اللسان عند ذكرها، ويرتعش العلم عند إثباتها وتدوينها، بذكرها هذا الكتاب، وكلها تدل على مقدار ما في بعض الناس من وحشية لا يتدنى إليها حيوان الغاب، وفي الكتاب قصص من التاريخ القديم والحديث تروي ما لاقاه البعض من العذاب والتنكيل، كما وفيه شرح لبعض المصطلحات القديمة المستعملة في التعذيب... كل ذلك ساقه الباحث بأسلوب قصصي سهل مبسط يعتمد على الروايات التاريخية القديمة المتناقلة عبر الألسن.  

شارك الكتاب مع اصدقائك