كتاب العدالة والحرية في فجر النهضة العربية الحديثة بقلم عزت قرني رفاعة الطهطاوي والأفغاني وخير الدين التونسي وأديب اسحق نادوا جميعا وبشكل نصي صريع بأهم الأمور التي تطالب بها صيحات قلوب الشعوب: أي بالحرية وبالعدالة. والمشكلات التي جابهها هؤلاء الرواد من مائة أو مائة وخمسون عاما لا تزال هي هي، في جوهرها، المشكلات التي
نواجهها اليوم.نظن أن كتابنا هذا هو واحد من الكتب القليلة المنشورة بالعربية، أو قد تكون أكثر من ذلك، التي أفردت للبحث المتأني في فكرة أو فكرتين اثنتين لا أكثر عند رواد الفكر الحديث، وهو بهذا يكف عن اللجوء إلى طريقة "من كل بستان زهرة" وإلى طريقة المسح المسطح، لكي لا نقول السطحي، ويلجأ إلى البحث في الأعماق. وفي الأعماق تلتقي كل الأصول.ومن جهة أخرى، فلم يكن يلمح علينا أن نصنف عملنا بين المؤلفات. "التحليلية" أو "التركيبية" أو "الوضعية" أو "النقدية" وغير ذلك من الأسماء التي تتقعر بها ألسنة المتحذلقين بمناسبة وغير مناسبة وإنما كانت بغيتنا أن نفهم، فهم الناقدين، وأن نصدق، صدق المنتبهين، وأن نعرف معرفة المتعاطفين بلا تحيز والمحايدين حياد البحث العلمي لا حياد من لا اهتمام لهم، وكأن الأمر لا يخصهم، وهل يريد القارئ أن تكون العدالة والحرية مما لا يخص؟هذا ما أردنا تقديمه بين يدي الكتاب وأملنا الأول أن يجد القارئ أن المسائل التي تناولها رجال منا منذ مائة أو مائة وخمسين عاما، هي ذات صلة وثيقة بأمور هذا العصر ذاته، وأنها منها بمثابة الجذور القوية وأن لها بالتالي طابعا "حاليا" حقيقيا رغم بعض اختلاف في الاصطلاح اللغوي أو طريقة التعبير أو مراجع الإشارات