كتاب ظلمة مألوفة

كتاب ظلمة مألوفة

تأليف : مكاوي سعيد

النوعية : مجموعة قصص

حفظ تقييم

قالت إنها لم تظن قط أن تواجه مثل هذا الموقف، وكنت منشغلاً بما يحدث على الشاطئين اللذين سكنت حركتهما تقريبًا بما عليهما من جماد وشجر إلا حركة طائر «أبو قردان» وهو يدب منقاره الحاد في طين الشط، غير آبه بتناثر الوحل على ردائه الأبيض، ثم فرحته وهو يلتقط

دودة سمينة ويحرّكها عاليًا يمينًا ويسارًا كأنه يعلن انتصاره، بينما الدودة مستسلمة تمامًا كأنها ميتة، أو كأنها اشتهت منذ مولدها هذه اللحظة. ثم فجأة تباعد صوتها الذي كان يسكنني لسنوات فانتبهت، كان قاربنا الذي تقاسمناه لفترة كبيرة أو قصيرة – لم يعد يهم - قد انشطر، وكانت تقود بمهارة نسر جارحٍ مقدمتَه، وتشق المياه بسكين حادة، مبتعدةً، ثم بدا ظهرها يلوح لي من بعيد، كجثة ضخمة لحيوان نافق، بينما الجزء المشطور الذي أعتليه يتهادى بي نحو ظلمة بدت لي مألوفة ومحببة.

قالت إنها لم تظن قط أن تواجه مثل هذا الموقف، وكنت منشغلاً بما يحدث على الشاطئين اللذين سكنت حركتهما تقريبًا بما عليهما من جماد وشجر إلا حركة طائر «أبو قردان» وهو يدب منقاره الحاد في طين الشط، غير آبه بتناثر الوحل على ردائه الأبيض، ثم فرحته وهو يلتقط

دودة سمينة ويحرّكها عاليًا يمينًا ويسارًا كأنه يعلن انتصاره، بينما الدودة مستسلمة تمامًا كأنها ميتة، أو كأنها اشتهت منذ مولدها هذه اللحظة. ثم فجأة تباعد صوتها الذي كان يسكنني لسنوات فانتبهت، كان قاربنا الذي تقاسمناه لفترة كبيرة أو قصيرة – لم يعد يهم - قد انشطر، وكانت تقود بمهارة نسر جارحٍ مقدمتَه، وتشق المياه بسكين حادة، مبتعدةً، ثم بدا ظهرها يلوح لي من بعيد، كجثة ضخمة لحيوان نافق، بينما الجزء المشطور الذي أعتليه يتهادى بي نحو ظلمة بدت لي مألوفة ومحببة.

يقول مكاوي سعيد عن نفسه: في فترة الدراسة الاولى كانت لي قراءات في القصص البوليسية والألغاز كعادة أبناء جيلنا وارتبطت بشكل خاص بقصص اجاثا كريستي وارسين لوبين لإحكام بنائها الفني، كما اعتدت أيضا قراءة القصص المصورة، وفي فترة الدراسة الثانوية ارتبطت أكثر بروايات نجيب محفوظ وأمين يوسف غراب ومحمد عبد ...
يقول مكاوي سعيد عن نفسه: في فترة الدراسة الاولى كانت لي قراءات في القصص البوليسية والألغاز كعادة أبناء جيلنا وارتبطت بشكل خاص بقصص اجاثا كريستي وارسين لوبين لإحكام بنائها الفني، كما اعتدت أيضا قراءة القصص المصورة، وفي فترة الدراسة الثانوية ارتبطت أكثر بروايات نجيب محفوظ وأمين يوسف غراب ومحمد عبد الحليم عبد الله، ثم ارتقت قراءاتي الى الأدب العالمي والشعر الحديث والشعر العامي، أما رحلتي مع الكتابة فقد بدأت أواخر السبعينيات حين كنت طالبا بكلية التجارة جامعة القاهرة، وكنت مهتما أيامها بكتابة الشعر العامي والفصيح عقب تأثري بدواوين صلاح عبد الصبور واحمد عبد المعطي حجازي والبياتي والسياب والفيتوري، ونشرت عدة قصائد لي في مجلة «صوت الجامعة» وبعض المجلات آنذاك. كما كانت لي نشاطات دائمة في الندوات الثقافية بالجامعة حتى حصلت على لقب شاعر الجامعة عام 1979 . عقب تخرجي من الجامعة اكتشفت ان أشعاري تعبر عن تجارب ذاتية خاصة جدا، فبدأت كتابة القصة القصيرة، وكان يأسرني آنذاك عالم يوسف ادريس وقصص مكسيم جوركي وتشيكوف بالاضافة الى الروائي العظيم ديستويفسكي وهيمنجواي، وفي بداية الثمانينيات كانت لنا ندوات دائمة بمقاه شهيرة بوسط البلد كعلي بابا واسترا وسوق الحميدية نلتقي فيها بالأدباء الكبار والقصاصين الجدد الذين يتلمسون الطريق، وعرضت قصصي الأولى في هذه الندوات وأثنى عليها الكثيرون، كما فاز بعضها بجوائز في نادي القصة، وتعرفت في مقهى علي بابا على الكاتب الجميل يحيى الطاهر عبد الله وقرأت عليه قصصي وأعجبته واختار بعضها لإرساله الى مجلات عربية بتزكية منه. وفي تلك الفترة نشرت قصص بمجلات وصحف مصرية وأصدرنا نشرات بالاستنسل تضم قصصا لمجموعة كتاب شباب مثل يوسف أبورية، سحر توفيق، عبده المصري، كما احتفلت مجلة «مصرية» التي كان يصدرها آنذاك عبد العزيز جمال الدين والدكتور صلاح الراوي بقصصنا وأشعارنا. ثم اصدرت أول مجموعة لي وكان اسمها «الركض وراء الضوء» بمساهمات الاصدقاء، ولاقت قبولا رائعا في الوسط الأدبي، لكن سرعان ما عملت كمحاسب في إحدى شركات المقاولات وابتعدت قليلا عن الوسط الأدبي، ثم أتت ظروف وفاة الأديب يحيى الطاهر عبد الله المأساوية لتزيد الهوة بيني وبين هذا الوسط، فظللت فترة كبيرة مبتعدا اقطعها أحيانا بقصة قصيرة، هنا وهناك. وكانت احداث 18 يناير وانتفاضة الطلبة تؤرقني وأود الكتابة عنها، الى ان كتبت احداثها فعلا في رواية «فئران السفينة» عام 1985 وبقت الرواية حبيسة ادراج الهيئة المصرية العامة للكتاب لمدة تزيد على الخمس سنوات حتى تقدمت